فصل: فصل في المقال:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في المقال:

أي دعوى المدعي (والجواب) ما يجيب به المطلوب فإن قيدت الدعوى في كتاب فهو التوقيف الآتي ذكره، ومن الدعوى ما يجب كتبه وما يحسن ترك كتبه وما يجوز فيه الأمران والكتب أحسن كما يأتي إن شاء الله. واعلم أن من ادعى شيئاً بيد غيره فأما أن يدعي أنه له أو وصل إليه من موروثه أو يدعي فيه بالنيابة عن غيره بإيصاء أو وكالة، فإذا صحت الدعوى في الجميع بشروطها المتقدمة وأثبت مع ذلك في الوجهين الأخيرين موت الموروث وعدة ورثته وتناسخ الوراثات إلى أن وصلت إليه، وأثبت الإيصاء والتوكيل كلف المطلوب حينئذ بالجواب، فإذا أجاب بإقرار صريح فله الإشهاد عليه، وللحاكم تنبيهه عليه وليس من الصريح قوله:
وأنا لي عليك كذا جواباً لقوله: لي عليك كذا لإمكان أن يكون مراده مقابلة الباطل بالباطل قاله المازري، ونقله في التبصرة. وكذا قوله: هب أني فعلت كذا قاله (غ) في التكميل ونقله ابن رحال في الارتفاق مسلماً قائلاً مهما لاح الاحتمال في الإقرار عندهم بقي الشيء على أصله. اهـ.
وهو ظاهر لأنه يحتمل أن يقوله إرخاء للعنان وتقديراً لصدور ذلك منه، ولا شك أن قائله على هذا الوجه ليس بمقر وتأمله مع ما في أواسط أجناس المعيار من أنه إذا قال: هب أني بعت منك فإن أمي لم تبع أن ذلك إقرار على الأرجح وأطال في ذلك فانظره، فإن قال لي عليك عشرة فقال: لا أدري أعشرة هي أم خمسة فإقرار وتلزمه العشرة إن حققها الطالب قاله في معاوضات المعيار ونحوه في باب العيوب من المتيطية، وإن شكا معاً فقيل يقسم المشكوك، وقيل يسقط. وكذا إن قال: أسلفتك أو أودعتك عشرة، وقال الآخر: بل قبضتها عن مثلها لي عليك فقيل لا شيء عليه لأنه ما أقر إلا بقبض شرط فيه أنه يستحقه فلا يؤاخذ بأكثر مما أقر به، وقيل القول للدافع في صفة ما دفع، وهو يدعي أنه دفع سلفاً لا قضاء حكاهما المازري. ونقلها في ضيح في باب الحوالة، واقتصر أبو الحسن في باب الشهادات وغيره على الثاني، فيفيد أنه المعتمد وفي إقرارات المعيار إذا قال: ألم تسلفني مائة دينار ورددتها إليك فقال: ما رددت إلي شيئاً فقال: ما أسلفتني إذاً شيئاً أنه لا يلزمه شيء. اهـ.
وتأمله مع قول (خ) عاطفاً على ما يلزمه فيه الإقرار أو أليس ما أقرضتني أو ما أقرضتني أو ألم تقرضني إلخ.
فإن قال له عليَّ ألف من ثمن خمر ونحوه فقال القرافي، في فروقه مقتصراً عليه أنه ليس بإقرار قال: لأن الكلام بآخر، والقاعدة أن كل كلام لا يستقل بنفسه إذا اتصل بكلام مستقل بنفسه يصير المستقل غير مستقل قال: وقوله من ثمن خمر لا يستقل بنفسه فيصير الأول المستقل غير مستقل وذكر لذلك أمثلة انظرها في الفرق الثاني عشر منه، وانظر أيضاً الفرق الثاني والعشرين والمائتين، واقتصر (خ) على إنه إقرار وإن أجاب بالإنكار الصريح عمل بمقتضاه، وقيل للطالب: ألك حجة فإن نفاها واستحلفه فلا تسمع له بعد بينة إلا لعذر كنسيان، وقال أشهب: تسمع وهو دليل قول عمر رضي الله عنه: بينة عادلة خير من يمين فاجرة وإن ادعاها كلف بإثباتها وأعذر للمطلوب فيما أتى به كما يأتي وليس من الصريح قوله: ما أظن له عندي شيئاً ولا قوله لا حق لك علي وذلك لما مر من أن الطالب لابد أن يبين في دعواه الوجه الذي ترتب له به الحق من بيع أو قرض أو قراض أو نحو ذلك، فيلزمه أن ينفي ذلك الوجه أو يقر به وتتوجه اليمين في الإنكار على طبق الدعوى (خ): ويمين المطلوب ما له عندي كذا ولا شيء منه فإن قضى نوى سلفاً يجب رده. اهـ.
وقال ابن الماجشون: يكفيه في الجواب واليمين لا حق لك على ابن عبد السلام، وهو التحقيق لأن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، فإن أجاب بإنكار كونه له بأن قال: هو وقف أو لولدي أو لشخص سماه فيقال للمدعي: اثبت ما تدعيه فإن هذا لا ينازعك وتنتقل خصومتك للمقر له (خ) وإن قال وقف أو لولدي لم يمنع مدع من إقامة بينة، وإن قال لفلان فإن حضر ادعى عليه فإن حلف فللمدعي تحليف المقر أنه صادق في إقراره، وانظر الفصل الثالث من أقسام الجواب من التبصرة وإن امتنع من الإقرار والإنكار فهو قوله:
ومنْ أَبى إقْراراً أو إنْكارا ** لِخَصْمِهِ كَلِّفَهُ إجْبَارا

(ومن أبى) موصول مبتدأ أو شرط واقع على المكلف الرشيد (إقراراً أو) بمعنى الواو (إنكاراً) لغير غرض شرعي بل سكت أو قال: أقم البينة على ما تدعي وأنا لا أقر ولا أنكر أو قال: ما له عندي شيء أو لا حق له علي كما مر. وقال الأخوان مطرف وابن الماجشون: يقنع منه بذلك في هذين الأخيرين وهو ظاهر لأن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، أو قال: لا أجاوب حتى أوكل من يجيب على المعمول به كما يأتي في باب الوكالة أو قال حتى يتبين هل ما تدعيه برسم أو بغير رسم (يخصمه) يتنازعه المصدر إن قبله (كلفه) بضم الكاف خبر أو جواب والرابط نائبه والبارز يعود على الإقرار والإنكار وأفرده لكون العطف بأو أو باعتبار ما ذكر (إجبارا) أي جبر بالضرب والسجن، وهذا إن لم يكن وصياً أو مقدماً يخاصمان عن أيتامهما فيما لم يتولياه من المعاملات، وإلاَّ فلا يكلفان بإقرار ولا بإنكار، ويقال للطالب: أقم البينة على ما تدعي وذلك لأن إقرارهما لا يفيد فلا فائدة لجبرهما، فإن أقرا باختيارهما فهما شاهدان تعتبر فيهما شروط الشهادة فإن أقرا عليه بطلاق أو عتق فلا تمضي حتى يكمل النصاب فإن خاصما فيما تولياه أجبرا على ذلك، وإن توجهت اليمين عليهما حلفا وإلاَّ ضمنا وفهم من وقوع من على الرشيد أن السفيه لا يؤمر بالجواب فضلاً عن الإجبار إذ لا يلزمه إقرار كما مرّ في شروط الدعوى ونكوله عن اليمين كإقراره على المعتمد كما يأتي في باب اليمين، ويقال للطالب حينئذ: أثبت دعواك وإلاَّ فلا شيء لك إلا اليمين تؤخر لوقت رشده، وهذا في الدعوى عليه بالغصب والاستهلاك والإتلاف لما لم يؤمن عليه واستحقاق شيء من ماله ونحو ذلك، وأما الدعوى عليه بالبيع والشراء والسلف والإبراء ونحوها فلا تسمع عليه ولو ثبتت بالبينة بخلاف الطلاق والجراح التي فيها القصاص وعتق مستولدته ونحوه فيكلف بالجواب للزوم إقراره فيها كما في (خ) حيث قال في الحجر لاطلاقه إلخ.
والسكران كالسفيه لا يلزمه إقراره ولا العقود من بيع ونحوه ولو بالبينة ويلزمه الإقرار بالجنايات والطلاق والعتق ولو لغير مستولدته كما قيل:
لا يلزم السكران إقرار عقود ** بل ما جنى عتق طلاق وحدود

وقولي لغير غرض شرعي احترازاً مما إذا قال: لا أجاوب حتى يجمع دعاويه فإنه لا يجبر حتى يجمعها، ومما إذا قال: لا أجاوب حتى أوكل من يجيب أو قال الوكيل: حتى أشاور موكلي على أحد قولين كما يأتي، ومما إذا قال: لا أجاوب لأني لست على يقين من الأمر الذي يدعيه وحلف على ذلك فإن الطالب يكلف بالإثبات من غير إجبار للمطلوب كذا في التبصرة ونحوه لابن سلمون ولامية الزقاق وعليه فما مرّ من أنه لا يكفيه في قوله: ما أظن له عندي شيئاً إنما هو إذا لم يحلف، وقول (ز) ومثل عدم جوابه في الحكم عليه بلا يمين شكه في أن له عنده ما يدعيه الخ، يعني إذا لم يحلف وإلاَّ فالذمم لا تعمر إلا بيقين.
فإنْ تمادَى فَلِطَالِبٍ قُضِي ** دُون يَمِينٍ أَوْ بِهَا وَذَا ارْتُضِي

(فإن) نكل عن اليمين في هذه سجن وضرب أيضاً فإن (تمادى) على الامتناع فيها وفي الأولى (فلطالب قضى) بالحق (دون يمين) تلزمه بناء على أنه إقرار وهي رواية أشهب وصوبها ابن المواز (أو) لتنويع الخلاف أي وقيل (بها) أي قضى له بالحق معها أي باليمين ابتداء لا بعد الضرب والسجن كما هو ظاهره فالباء بمعنى مع بناء على أن امتناعه نكول لأن الامتناع من الجواب امتناع من اليمين في المعنى، وهو قول أصبغ، واختاره الناظم. ولذا قال: (وذا ارتضي) والمعتمد الأول (خ) وإن لم يجب حبس وأدب ثُمَّ حكم عليه بلا يمين وظاهره كالناظم أنه لا تسمع له حجة لأنه إقرار بالحق كما مرّ، وينبغي تقييده بما إذا أعلمه بأنه إذا تمادى على الامتناع حكم عليه كما أنه في القول الثاني لا يحكم عليه حتى يعلمه بذلك، فإن كانت الدعوى لا تثبت إلا بشاهدين قضى على الممتنع فيما يلزمه الإقرار به كإنكاح مجبرته وعتق عبده وطلاق زوجته ولا يقضى عليه على القول الثاني لأن امتناعه نكول.
تنبيهات:
الأول: تقدم أن المطلوب لا يؤمر بالجواب حتى يثبت المدعي موت من يقوم عنه ورثته وتناسخ الوراثات حيثما بلغت، فإن لم يثبت ذلك فلا يمين له على المطلوب، وإن قال له: أنت عالم بموته وعدة ورثته لأن من حجته أن يقول: إن أباك أو من تدعي عنه حي وسيقدم ويقر أنه لا حق له عندي قاله ابن الفخار. قال: فإن أقر بذلك لم يقبل لما فيه من إلزام الحقوق وتوريث زوجته وتزويجها وإنفاذ وصاياه وغير ذلك ولا يمين عليه في شيء من ذلك، وإنما هو شاهد بذلك لا مقر وقد قال أحمد بن ميسرة: من أقر بقتل رجل لم يؤخذ به لما في ذلك من التوريث والتزويج. اهـ.
وعليه عول في اللامية حيث قال:
ومن يدعي حقاً لميت ليثبتن ** له الموت والوراث بعد لتفصلا

إلى أن قال: وإن يكن أهمل ثبوت فعن مطلوب أسقط يمينه. إلخ.
قال: مقيد هذا الشرح على ابن عبد السلام أمديدش التسولي سامحه الله، وما قاله ابن الفخار وتبعه صاحب اللامية مبني على أن الدعوى لا تتبعض وأن الشهادة إذا رد بعضها للسنة ردت كلها، والإقرار تابع لها إذ هو في هذه المسألة ونحوها شهادة على النفس والغير، وهو وإن كان موافقاً لقولها في الوصايا إذا مات رجل فشهد على موته امرأتان ورجل فإن لم تكن له زوجة ولا أوصى بعتق عبد ولا له مدبر وليس إلا قسمة التركة فشهادتهن جائزة. اهـ.
فمفهومها لو كان هناك زوجة أو أم ولد أو أوصى بعتق ونحوه لم تجز لا في المال ولا في غيره أي والإقرار كذلك إذ ما لا يثبت بالشاهد والمرأتين أو أحدهما مع اليمين لا يمين فيه لكن يبعد كل البعد أن ينفي المقر الشيء عن ملكه ونحن نثبت ملكيته له وما في وصاياها معارض لقولها في الشهادات إن شهد شاهد بوصية فيها عتق ووصايا لقوم ردت في العتق وجازت في الوصايا، ولقولها من شهد عليه رجل واحد بالسرقة لم يقطع ولكن يحلف المسروق منه مع شاهده ويستحق متاعه. اهـ.
الوانوغي: يؤخذ من هذه المسألة لو شهد رجل وامرأتان بطلاق زوجته، وقد كان عليه صداقها مؤجلاً بموت أو فراق، وقلنا: لا يحكم عليه إلا بالموت أو الفراق أن الشهادة تبطل في الطلاق وتصح في حلول الصداق، وكذا لو شهد رجل وامرأتان على رجل بطلقة وتصييره داره في صداقها أنها تصح في التصيير لا في الطلاق. اهـ.
ابن رشد: المشهور أن الشهادة إذ رد بعضها للسنة كشهادة رجل واحد أو امرأتين بوصية فيها عتق ومال أن يجوز منها ما أجازته السنّة وهو الشهادة بالمال فيثبت بالشاهد واليمين أو المرأتين مع اليمين، وقيل يبطل الجميع لأنه لما رد بعضها وجب رد كلها وهو قائم من المدونة. اهـ.
وإذا علمت أن شهادة الواحد والمرأتين أو أحدهما مع اليمين عاملة في مثل هذه بالنسبة للمال على المشهور، فأحرى في الإقرار لأنه شهادة على النفس ولا تشترط فيه العدالة. ولذا قال ابن عرفة وغيره: الإقرار بالشيء أقوى من قيام البينة عليه. اهـ.
والقاعدة: أن من أقر على نفسه وغيره لزمه الإقرار على نفسه، ولم يلزم على غيره ولكن يكون فيه شاهداً وإن كل ما يثبت بالشاهد والمرأتين أو أحدهما مع اليمين يلزم فيه الإقرار وتتوجه فيه اليمين كما مرّ عند قوله: في عجز مدع عن التبيين. ألا ترى أنه لو ادعى عليه شخص أن أباه أوصى له بمال وعتق عبده فلان للزمته اليمين بالنسبة للمال دون العتق، وكذا لو ادعى عليه بالسرقة فنكل للزمه الغرم دون القطع، وهكذا فالموت وإن كان ليس بمال لكنه يؤول للمال بالنسبة للإرث فيثبت بالشاهد الواحد على المذهب، ومن عده مما لا يثبت إلا بعدلين كابن ناجي فمراده بالنسبة لغير الإرث، وحينئذ فإذا قال له: قد انتقل هذا المال الذي بيدك كله أو بعضه الذي هو الربع منه مثلاً إليَّ بسبب موت مالكه وأنت عالم بذلك فلا إشكال في توجه اليمين عليه ولزوم إقراره بالنسبة لنصيب المدعي ويبقى نصيب الزوجة ونحوها بيد المطلوب حتى يطلباه، وغايته أن المطلوب لما أقر أو نكل سرى إقراره عليه فيما له فيه حق وبقي ما عداه على أصله فلا تتزوج زوجته ولا يعتق مدبره ونحوه حتى يثبت موته كما يؤاخذ بإقراره بالقتل أيضاً ولا تتزوج زوجته ولا يورث حتى يثبت موته فالمسألة في الحقيقة من الدعوى بغير المال لكنها تؤول للمال وقد حرر غير واحد أن الموت يثبت بالشاهد الواحد مع اليمين بالنسبة للإرث فهو يدعي بأمرين الموت والإرث كما أنه في الوصية والسرقة المذكورتين يدعي بأمرين أحدهما مال والآخر غيره، والعجب من ابن فرحون والبرزلي وابن سلمون وصاحب اللامية وشروحها كيف سلموا كلام ابن الفخار مع أن كثيراً من مشاهير المؤلفين أعرض عنه فيما علمت بل ذكر في اختصار المتيطية أن ابن كنانة سأل مالكاً عمن بيده دار فقام عليه فيها رجل وزعم أنها لجده وسأله عن ذلك فقال الحائز: لا أقر ولا أنكر ولكن ليقيم البينة على ما يدعي فقال مالك: يجبر على الإقرار أو الإنكار ولا يترك. قال بعض الشيوخ: معنى المسألة أن القائم على أنه وارث جده ببينة أو بإقرار الحائز ولو لم يعلم ذلك حلف الحائز أنها ملكه ولا حق للقائم معه فيها. اهـ.
ولئن سلمناه لابن الفخار لم يثبت ما ذكر بالشاهد والمرأتين أو أحدهما مع اليمين إذ الإقرار بالشيء أقوى من البينة التامة كما مرّ فما لا يلزم بالإقرار أو النكول الذي هو كالإقرار لا يلزم بما ذكر بالأحرى، ويحتاج على تسليمه إلى استثنائه من قولهم: المقر مؤاخذ بإقراره على نفسه، ومن قولهم: ما ليس بمال ويؤول للمال يثبت بالشاهد واليمين ولا يلزم فيه الإقرار والله أعلم. هذا وقد ذكر ابن رحال في أنواع الشهادات الآتي أن المذهب هو ثبوت الموت بالشاهد واليمين بالنسبة للإرث.
الثاني: تقدم أيضاً أنه لابد أن يثبت تناسخ الوراثات حيثما بلغت ويبقى النظر إذا أثبت موت من يقوم بسببه وعدة ورثته وأثبت موت بعض ورثة الموروث الأول وجر القائم ذلك إلى نفسه، ولكن لم يجد من يشهد له بعدة سائر ورثة الوارثين غير من يدلي به هل هو يقضي له بخطه لأنه لا جهل فيه لأنه استبان أنه يرث من الأول الربع مثلاً ولا عليه فيمن يرث الثلاثة الأرباع أو لا يستحق شيئاً حتى يثبت تناسخ الوراثات حيثما بلغت كما في المتيطية: أفتى شيخ شيوخنا سيدي عمر الفاسي بأنه يحكم للقائم بقدر ميراثه لعلم نصيبه وتحققه، وليس عليه أن يثبت تناسخ الوراثات الذين لا يدلي بهم، وانظر أقضية المعيار وما يأتي في الاستحقاق. وقولنا: الرابع مثلاً احترازاً مما إذا قالت: لا نعلم كم الورثة فإنه لا يقضى للقائم بشيء ولا ينظر إلى تسميته للورثة كما في المدونة. الثالث: كما أن المطلوب لا يكلف بالجواب إذا مات رب الحق حتى يثبت الطالب موته ووراثته، كذلك إذا مات المطلوب وقام رب الحق أو ورثته على ورثة المطلوب فلا تكلف ورثته بالجواب حتى يثبت القائم موته وعدة ورثته من أجل ما يحتاج من الإعذار إليهم كما في المتيطية، وهذا إن كانوا كباراً مالكين أمرهم فإن كانوا صغاراً تحت إيصاء أثبت القائم الإيصاء وقبول الوصي له بالشهادة على عينه ليتمكن من الإعذار إليه فإن عجز عن الإثبات وقال: للمالكين أمرهم أنتم عالمون بالموت وعدة الورثة، وقد استقر مال الهالك بيدكم فلا إشكال في لزوم اليمين لهم كما مر في التنبيه الأول، فإن أقروا أو نكلوا استوفى القائم دينه مما بأيديهم فقط، وإن بقي له شيء تبع به الصغار فإذا بلغوا حلفوا أو أدوا هذا هو التحرير، وما في اللامية من إسقاط اليمين في هذه أيضاً لا يلتفت إليه، بل قال في التبصرة: ولا تسمع الدعوى على الميت إلا بعد ثبوت وفاته وعدة ورثته، فإن أقر الوارث الرشيد بها ولم يكن ثُمَّ غيره لم يفتقر إلى ثبوتها. اهـ.
فقولها فإن أقر الوارث بها إلخ.
صريح في لزوم اليمين لأنها دعوى في المال وكل ما يصح فيه الإقرار تتوجه فيه اليمين. ولا مفهوم لقوله: ولم يكن ثُمَّ غيره إذ إقراره يسري عليه في نصيبه الذي بيده كان هناك غيره أم لا. بل إن أداه على وجه الشهادة وكان عدلاً حلف رب الدين معه، وأخذ جميع الدين ولو كان باقي الورثة صغاراً لأن الموت باعتبار المال يكفي فيه العدل والمرأتان أو أحدهما مع اليمين على مذهب ابن القاسم خلافاً لأشهب. قال اللخمي: وإن شهد رجل وامرأتان على نكاح بعد موت الزوج أو الزوجة أو على ميت أن فلاناً أعتقه أو على نسب أن هذا ابنه أو أخوه ولم يكن له وارث ثابت النسب صحت هذه الشهادة على قول ابن القاسم، وكان له الميراث ولم تجز على قول أشهب لأنه قال: لا يستحق الميراث إلا بعد إثبات الأصل بشهادة رجلين فإن ثبت ذلك ثُمَّ شهد واحد أنه لا يعلم له وارثاً سوى هذا جازت واستحق المال. اهـ.
وبه تعلم ما في كلام ابن فرحون في الباب الثالث من القسم الثاني فإن كلامه يوهم أنه لابد من عدلين في الموت والميراث معاً وقد علمت أنه لا يجري إلا على قول أشهب. نعم صرح هو في المحل المذكور أن حصر الورثة يكفي فيه الشاهد واليمين اتفاقاً وهو ما أشار له اللخمي بقوله: فإن ثبت ذلك ثُمَّ شهد واحد إلخ.
ومثله له فيما إذا شك في تقدم موت الأم أو ابنها مثلاً. قال: إن ميراث الابن لأبيه وميراث الأم لزوجها وأخيها بعد أيمانهما مع أن تاريخ تقدم الموت ليس بمال كما صرح به هو وغيره، ولكنه آيل للمال ونحوه لأبي العباس المقري في رجلين وأخت شقائق توفي الأخ والأخت فادعى الأخ الثاني أن الأخت توفيت بعد الأخ وادعى ابن الأخ أن أباه توفي بعد موت الأخت بعد إقرارهما بموتهما ودفنهما بمحضرهما قال: تتوجه اليمين على كل منهما فإن حلف الكل أو نكل فكل يرثه ورثته وإن نكل البعض قضى للآخر قال: والمسألة من باب الدعاوى فكل منهما مدع ومدعى عليه وقول: من قال كل دعوى لا تثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها غلط. اهـ.
فتبين أن الموت وحصر الورثة كلاهما يثبت بالشاهد الواحد اتفاقاً في الثاني، وعلى المشهور في الأول وعليه اقتصر (خ) في مواضع فقال في التنازع: حلفت معه وورثت، وقال في آخر: العتق وحلف واستؤني بالمال إن شهد بالبت شاهد أو اثنان أنهما لم يزالا يسمعان أنه مولاه إلخ.
ومحل ذلك إن لم يكن للميت وارث ثابت النسب كما رأيته وإلاَّ فلابد من عدلين على المذهب كما في ضيح و(ح) ولا يرد هذا علينا لأن الموضوع أن المقر شاهد أن مورثه مات وأنه لا يعلم له وارثاً سوى هؤلاء الورثة المعروفين فلان وفلان مثلاً فالمستفاد من شهادته الموت وحصر الورثة فقط لا نسبهم من الهالك بل هو معروف منه ومن غيره، وأحرى إن كان مصب شهادته حصرهم فقط ولكونه لابد من عدلين إذا كان له وارث ثابت النسب تواطأ شراح (خ) على اعتراض قوله في الاستحقاق وعدل يحلف معه ويرث ولا نسب تبعاً لاعتراض ابن عرفة وضيح قول ابن الحاجب وعدل يحلف معه ويشاركهما في الإرث ولا نسب بأنه خلاف المذهب من أنه لا يرث إلا بعدلين.
فإن قلت: هلا حملوا كلامهما على ما إذا لم يكن للميت وارث ثابت النسب؟ فالجواب: أن ابن الحاجب لما فرض المسألة في الولدين وقريب منه كلام (خ) لزم قطعاً حصول الوارث المعروف، وبهذا يزول ما يختلج في الصدر من معارضة ما اعترض به الشراح كلامه في الاستلحاق لما صرحوا به في الشهادات أن ما ليس بمال وهو آيل إلى المال يكفي فيه الشاهد واليمين ومثلوه بالموت أو سبقيته والنكاح بعد الموت. كذا قيل: والظاهر أنه معارض وإن كان هناك وارث معين لأن قاعدة ما ليس بمال، ولكن يؤول إلى المال فيها خلاف هل يكفي فيها الشاهد واليمين بالنسبة للمال أم لا؟ والمذهب أنه يكفي فيها ذلك وما يكفي الشاهد فيه مع اليمين يلزم فيه الإقرار وتتوجه فيه اليمين حسبما عقدوه، ولذلك اقتصر (خ) وابن الحاجب وابن شاس في الاستلحاق على أنه يحلف مع العدل ويرث ليوافق ما في الشهادات، ولاسيما أن ما اقتصروا عليه هو قول لابن القاسم كما في ابن عرفة قال ونحوه قولها في الولاء: إن أقرت البينتان لرجل بأنه أعتق أباهما وهما عدلتان حلف معهما وورث الثلث الباقي اه فما تبع (خ) ابن الحاجب مع اعتراضه عليه في ضيح إلا لرجحان هذا القول عنده لموافقته لما في الشهادات ولجري المسائل على وتيرة واحدة فتأمله والله أعلم. ثُمَّ إنما يكلف رب الدين بإثبات موت المدين وحصر ورثته فيها يظهر لو كان دينه حل بالموت وإلاَّ فيكفيه أن يثبت فقده أو غيبته وملكيته للمال الذي يريد أعداءه فيه على ما هو مبين في محله والله أعلم.
الرابع: قال في المدونة وإن شهد لصاحب الدين واحد من الورثة بدينه حلف معه إن كان عدلاً واستحق حقه فإن نكل أخذ من شاهده قدر ما ينوبه من الدين وإن كان سفيهاً لم تجز شهادته ولم يرجع عليه في حصته بشيء اه ونقله (ح) في الاستلحاق وأطلنا في المسألة لاغترار الناس بكلام ابن الفخار فضاعت بذلك أموال يعلمها الكبير المتعال إذ كثير من الناس لا يقوم إلا بعد طول الزمان أو يموت موروثه في بلد بعيد لا يعرفون أهله ولا ورثته. اهـ.
الخامس: قال البرزلي: أوائل النكاح أجرة الموت وعدة الورثة على جميع الورثة على عدد رؤوسهم إن أقاموها كلهم ومن طلب نسخة منها فله ذلك بالقضاء بخلاف ما لو أقامها أحدهم، حتى تم حقه فليس عليه أن يعطيهم نسخة منها إلا برضاه ونزلت بتونس وحكم بذلك ووقعت الفتيا به. اهـ.
السادس: إن ادعى على عبد بما يوجب قصاصاً فيلزمه الجواب وإن ادعى عليه بما يوجب الأرش فيجيب السيد: وإن ادعى عليه بالمال وهو مأذون فهو كالحر وإن كان غير مأذون وقف إقراره على سيده (خ):. ويجيب عن القصاص العبد، وعن الأرش السيد، وانظر إذا امتنع العبد من الجواب فيما فيه قصاص هل يعد كإقراره فيقتص منه أم لا؟ وهو الظاهر لخطر الدماء فلا تستباح بالشك.
وَالْكَتْبُ يَقْتَضِي علَيهِ المُدَّعِي ** منْ خَصْمِهِ الجَوَابَ تَوْقِيفاً دُعِي

(والكتب) بفتح الكاف أي المكتوب من إطلاق المصدر وإرادة المفعول كالنسج بمعنى المنسوج مبتدأ (يقتضي) يطلب (عليه المدعي) فاعل (من خصمه) يتعلق بقوله يقتضي (الجواب) مفعوله والجملة حال من المبتدأ على قلة لا صفة (توقيفاً) مفعول ثان بقوله: (دعي) أي سمي ومفعوله الأول هو النائب العائد على المبتدأ والجملة خبر، والمعنى أن المكتوب يطلب المدعي من خصمه الجواب عليه يسمى في اصطلاح الموثقين توقيفاً لكون الطالب يوقف المطلوب على الجواب عنه كما يسمى أيضاً مقالاً وصفته قال فلان أو ادعى أن له قبل فلان كذا من سكة كذا إن اختلفت السكك من ثمن كذا اشتراه منه وقبضه وبقي الثمن في ذمته حتى الآن، وإن كان من سلف قلت قبضه منه منذ كذا وإن كانت الدعوى في دار أو أرض قلت: إن على ملكه داراً بمدينة كذا حدودها كذا وإن فلاناً يتعدى عليه فيها أو وضع يده عليها ويريد منه أن يمكنه من جميع ذلك ثُمَّ تقول: حضر فلان المدعى عليه وقرئ عليه المقال وبعد فهمه أجاب بالإقرار في جميع المذكور أو ببعضه وهو كذا أو بالإنكار للجميع أو للبعض وهو كذا، ثُمَّ تقيد الإشهاد وتؤرخ وإن كان الإقرار بمجلس الحكم قلت أقر فلان لمنازعه فلان بمجلس الحكم الشرعي بأن له قبله كذا من وجه كذا حالة أو مؤجلة ليسقط الإعذار بشاهدي المجلس إن أدياها فيه كما يأتي. وقولنا: إن اختلفت احترازاً مما إذا لم تختلف فإنه يقضيه من أي السكك شاء لأن من باع سلعة وسكك البلد متعددة متحدة الرواج ولم يبين فإن البيع صحيح ويقضيه من أيها شاء، وإن اختلفت رواجاً فسد ويرد مع القيام ويقضى فيه بالقيمة من غالب السكك مع الفوات كما يأتي. وقولنا: قبضه احترازاً مما إذا لم يقل ذلك فإن المطلوب لا يجبر على الجواب لأن الجبر لا يجب إلا بحيث لو امتنع من الإقرار والإنكار قضى عليه بالحق كما مرّ وهو لا يقضى عليه في هذه الحالة إذا امتنع منهما لإمكان عدم القبض فلا يلزمه الثمن (خ): وفي قبض الثمن أو السلعة فالأصل بقاؤهما إلا لعرف الخ بل لو أقام المدعي بينة تشهد أن له بذمة المطلوب مائة من ثمن سلعة اشتراها منه فإن شهادتهما ساقطة حتى يقولا وقبض السلعة قاله ابن عبد الملك ونقله في التبصرة وغيرها مسلماً قال: وكذا إن شهد أنه خاط لفلان ثوباً لم تجز حتى يقولا ورد الثوب مخيطاً وكذا سائر الصناع. اهـ.
وكذا أيضاً يقال في السلف لأنه يلزم بالقول فإذا لم يقل وقبضه فلا تصح دعواه لإمكان أن لا يكون قبضه فلا يلزمه رده ولو شهدت البينة بذلك ولم تنص على القبض، فإن المطلوب لا يجبر لإمكان أن لا يكون قد قبضه فلا يلزمه رده ولو شهدت البينة بذلك ولم تنص على القبض لم تقبل أيضاً (خ): وملك أي بالقول ولم يلزم رده إلا بشرط أو عادة إلخ.
وقولنا: وبقي الثمن في ذمته إلخ.
احترازاً مما إذا لم يقل ذلك فإنه لا يجبر لإمكان أن يكون قد قضاه، ولو أقام شاهداً بذلك لم تتم شهادته حتى يقول: لا يعلم براءته من الثمن المذكور إلى الآن قال في شهادات المعيار ما نصه: شهادة الشاهد بحق غير عاملة حتى يذكر في شهادته انتفاء علمه بالمبطل لها. وانظر ما يأتي في أول خطاب القضاة. وقولنا في السلف منذ كذا ليعلم هل مضى من المدة ما ينتفع مثله بالسلف فيها عند الشرط فيلزمه الرد أم لا كما مر في قول (خ): ولم يلزمه رده الخ وقولنا: حدودها كذا الخ ليتعين المدعى فيه إذ الدعوى لابد أن تكون بمعين أو بما في ذمة معين كما مرّ وتعيين الأرض ونحوها بذكر حدودها، ولو سقط ذلك من لفظه لم يجبر المطلوب على جوابه ولو سقط ذلك من الشهادة لم يقض بها إلا إن شهد بالحدود غيرهم كما يأتي في قوله: وجاز أن يثبت ملكاً شهدا. وبالحيازة سواهم شهدا إلخ.
ثُمَّ المدعي تارة يستظهر بالرسم من أول الأمر لكون ما يدعيه ثابتاً عنده، وتارة لا يكون ثابتاً عنده في الحال فيقيد حينئذ المقال لأن فائدته كما في الوثائق المجموعة أن المدعى عليه قد يقر فيستغني المدعي عن إثبات دعواه وكل من الرسم والمقال إما أن يكون بيناً في نفسه فيكلف المطلوب بالجواب عليه في الحين كما قال:
وما يَكونُ بَيِّناً إنْ لَمْ يُجِبْ ** علَيهِ في الحِينِ فالإجْبَارُ يَجِبْ

(وما) أي المقال أو الرسم الذي (يكون بيناً) سهلاً لا يحتاج إلى تأمل وسواء كان الرسم استرعائياً وهو ما يصدر بيشهد من يضع اسمه الخ أم لا (إن لم يجب) المطلوب بضم الياء (عليه) أي الرسم أو المقال البينين (في الحين فالإجبار) بنقل حركة الهمزة إلى اللام للوزن مبتدأ وقوله: (يجب) خبر والجملة جواب الشرط والشرط وجوابه خبر المبتدأ الذي هو الموصول والرابط بين الجملة الكبرى والموصول محذوف أي فالإجبار على الجواب عليه واجب ومحله ما لم يطلب المهلة في الرسم الاسترعائي وإلاَّ فلا يجبر في الحين ويمكن دخوله في قول الناظم في الفصل بعده والمدعي النسيان إن طال الزمن قال في التبصرة: ويجبر الخصم على الجواب فيما وقفه خصمه عليه في جميع الوثائق القليلة المعاني والفصول حاشا وثائق الاسترعاء فإنه لا يجبر على الجواب عنها في ذلك المجلس. اهـ.
ونحوه في ابن سلمون عن ابن سهل. نعم ذكروا أنه لا يجبر على الجواب عنها إلا بعد ثبوتها أي بالأداء والقبول كما في أواسط الشهادات من المعيار فقول (ت) ويكون في غير وثائق الاسترعاء غير ظاهر، ومحله أيضاً ما لم يطلب التأخير لمقصد وإلاَّ ففي الإجبار قولان كما يأتي في البيت بعده، وأما أن يكون كل من الرسم والمقال يحتوي على فصول يحتاج المجيب عنها إلى تفكر وتدبر فلا يكلف المطلوب بالجواب عنها في الحين، بل يقيد المقال على المدعي وحده، ويأخذ المطلوب نسخة منه أو من الرسم استرعائياً أم لا ليتأمل ذلك فيجيب عنه كما قال:
وكلُّ ما افْتَقَرَ لِلَّتأَمُّلِ ** فالْحُكْمُ نَسْخُهُ وَضَرْبُ الأجَلِ

(وكل ما افتقر) من المقالات والرسوم (للتأمل) كحدود العقار ونحو ذلك (فالحكم) مبتدأ (نسخه) للمطلوب خبره (وضرب الأجل) عليه والجملة خبر كل وما موصول مضاف إليه وافتقر صلته والأجل في مثل هذا بالاجتهاد. قال ابن الهندي: إن كانت الوثيقة مختصرة تفهم معانيها بمجرد سماعها لم يعط المطلوب نسختها، وإن كانت طويلة كثيرة المعاني تحتاج إلى التثبت أعطي نسختها ابن عرفة، وقيل: يعطى نسختها مطلقاً وعلى الأول العمل ابن رحال: العمل عندنا على إعطائها مطلقاً.
وطَالِبُ التَّأْخِيرِ فِيما سَهُلاَ ** لِمَقْصِدِ يُمْنِعُهُ وَقِيلَ لاَ

(وطالب التأخير) والمهلة في الجواب مبتدأ (فيما سهلا) فهمه من رسم أو مقال فإن كان لغير غرض فالحكم أنه يجبر ولا يؤخر وإن كان (لمقصد) وغرض كتوكيله من يجيب عنه فقولان قيل: (يمنعه) بضم الياء مبنياً للمفعول وضميره المستتر النائب يعود على المبتدأ الذي هو طالب وهو الرابط بين المبتدأ وخبره، والجملة والضمير البارز هو المفعول الثاني يعود على التأخير ولمقصد يتعلق بطالب وفيما يتعلق بالتأخير وجملة قوله (وقيل لا) يمنعه معطوفة على الجملة قبلها والمنفي بلا محذوف كما قررنا، وصحح ابن سهل وابن الناظم الأول. ابن سلمون والمتيطي: وبه العمل واقتصر عليه صاحب اللامية، وصحح ابن الهندي الثاني انظر (ح).
فرعان:
الأول: فإن قال الوكيل: لا أجاوب حتى أشاور موكلي فإنه يجبر ولا يمهل، وما أقرّ به لازم لموكله إن كان من معنى الخصومة التي وكل عليها.
الثاني: من ادعى على رجل أن بيده رسماً له فيه حق وطالبه بإخراجه لينظر فيه ما ينفعه فإنه يلزمه إخراجه قاله في أقضية المعيار عن المازري، وكرره في نوازل الدعاوى عن ابن أبي زيد، ونحوه لابن فرحون عن ابن سهل في الفصل الثالث في تقسيم المدعى عليهم، وبه يبطل ما أفتى به ابن سودة وأبو محمد عبد القادر الفاسي من أنه لا يلزمه ذلك محتجين بأنه لو مكن الناس من هذا لفتح عليهم باب يعسر سده إلخ.
لأنه مصادم للمعقول والمنقول لأنهما احتاطا للمطلوب وأخلاَّ بحق الطالب من غير موجب ولا دليل، وقد تكون بينهما معاملة أو شركة أو وراثة ونحو ذلك، ولذا ضعف ابن رحال فتواهما. ولما كان تقييد المقال موكولاً إلى اختيار الطالب، لكن ربما يجب في بعض الأحيان نبه على المحل الذي يجب عليه التقييد فيه فقال:
ويُوجِبُ التّقْيِيدَ لِلْمَقَالِ ** تَشَعُّبُ الدَّعْوى وعُظْمُ المالِ

(ويوجب) مضارع أوجب مبني للفاعل (التقييد) مفعوله (للمقال) يتعلق به (تشعب الدعوى) فاعل يوجب أي تفرقها وكثرة فروعها (و) مع (عظم المال) بضم العين أي كثرته فهو مما يؤكد الوجوب المذكور، فالكلام الأول من حيث الإجبار والنسخ مع الإمهال والكلام هنا من حيث وجوب التقييد وعدمه فلا تكرار ثُمَّ علل الوجوب بقوله:
لأنَّهُ أضْبَطُ لِلأَحْكَامِ ** وَلانحِصارِ ناشِئ الخِصامِ

(لأنه) أي التقييد (أضبط للأحكام) فينحصر ذهن القاضي والمطلوب للنظر (ولانحصار) معطوف على المصدر المنسبك من أن ومدخولها لا على قوله للأحكام خلافاً لمن وهم أي لضبطه للأحكام ولانحصار الدعوى (ناشئ الخصام) وهو المدعي فلا يقدر على زيادة شيء فيها ولا على الانتقال عنها إلى غيرها فيفهم منه أن فائدته هو انحصاره وأنه إن زاد أو انتقل بطلت دعواه وهو كذلك وتدل له مسائل وقعت في المذهب متفرقة منها ما هو على العموم ومنها ما هو على الخصوص فمن الأول ما يأتي في الفصل بعد هذا أن من اختلف قوله واضطرب مقاله سقطت دعواه وبينته، ومنها ما في المعيار عن العبدوسي من تناقض كلامه فلا حجة له، ومنها ما نقله بعضهم عن ابن يونس عن أشهب أن من اختلفت دعواه بأمر بين فلا شيء له هذا قول مالك. اهـ.
ومنها: ما نقل المازري عن ضيح أن الدعوى على شخص إبراء لغيره، ومنها ما نقل عن ابن عرضون أن من أعطى نسخة من الرسم فأبطلت فاستظهر بآخر أن الرسم الثاني مستراب لأنه انتقال من دعوى لأخرى. قال: ولو أبيح الانتقال ما انقطعت حجة المدين. اهـ.
ومثله لسيدي أحمد البعل حسبما في أوائل نوازل العلمي وأواسط الشهادات منه.
قلت: وفي عد مجرد الاستظهار بالرسم الثاني انتقالاً مع عدم اشتماله على زيادة على الأول نظر لا يخفى إذ لا يلزمه أن يقوم بجميع شهود الحق، لكن إذا قام بعدلين منهم فبطلت شهادتهما لاختلال فصولهما أو لتجريحهما كان له القيام بغيرهما وأحرى لو كان لم يعلم بشهادة من قام به ثانياً أو نسيه (خ) فإن نفاها واستحلفه فلا بينة إلا لعذر كنسيان لكن يمكن الجواب عنهما بأنه لا يكون انتقالاً إلا إذا كانت الثانية مشتملة على زيادة أو نقصان، وإلاَّ فليس ذلك انتقالاً لأخرى. نعم ذكروا أن من خاصم في حق وادعى أن بينته بعيدة الغيبة وأراد تحليف المطلوب مع بقائه على حجته لا يمكن من تحليفه إلا إذا سمى بينته الغائبة وحلف على صحة ما يدعيه من غيبتها، فهذا إذا حلف المطلوب بعد حلفه هو على ما ذكر لا قيام له بغير الذي سمى وإن لم يعلم به، ومن الثاني ما في المعيار عن عياض أن من ادعى الإرث ثُمَّ الشراء سقطت دعواه.
ومنها ما في باب القضاء من المعين فيمن ادعى في دار أنها وراثة من آبائه، فلما أثبت غيره الملكية أقام هو بينة بالشراء منه. ومنها مسائل مضمن الإقرار المذكورة في القضاء والوكالات والوديعة وستأتي عند قول الناظم: ومنكر للخصم ما ادعاه.
ومنها: ما نقله القلشاني وغيره فيما إذا أقسم الأولياء على واحد من جماعة، ثُمَّ بدا لهم وأرادوا أن يقسموا على غيره من تلك الجماعة فلا يمكنون كما يأتي عند قوله: وغير واحد بها لن يقبلا. ومنها: إن قال: قتلني فلان بل فلان، ومنها: إذا سئل عن قاتله، فقال: لا أعرفه، ثُمَّ قال: فلان. ومنها: ما في نوازل الدعاوى من المعيار في مريض تصدق على أخيه فقبض الأخ الصدقة وحازها ثُمَّ مات المريض فرد على ورثته ما زاد على الثلث، ثُمَّ تبين أن الصدقة في الصحة وأنها جائزة كلها. ومنها: من ادعى في ملك أنه من أوقاف فلان ثُمَّ ادعى أنه ملك لموروثه. أفتى (ح) بأنه لا حق له. ومنها: من ادعى في ملك أنه من متخلف أبيه فأثبت غيره أنه ملك لموروثه فادعى أنه أوصى له به. ومنها: من ادعى في دار أنها وراثة بينه وبين إخوته ثُمَّ ادعى أنه انفرد بها بوصية أو صدقة من الموروث. قال سحنون: لا تقبل دعواه ولا بينته. ذكر الثلاث الأخيرة (ح) في باب الإقرار، وذكر عن القرافي أنه اعتمد في المسألة الأخيرة خلاف قول سحنون فقال في الفرق الثاني والعشرين بعد المائتين بين ما يقبل فيه الرجوع عن الإقرار وما لا يقبل ما نصه: ضابط ما لا يقبل الرجوع فيه أن يكون الرجوع لغير عذر عادي، وضابط ما يقبل الرجوع فيه أن يكون هناك عذر عادي كأن يقر الوارث للورثة أن ما تركه أبوه ميراث بينهم، ثُمَّ جاءه شهود أخبروه أو وجد رسماً بأن أباه كان تصدق عليه بهذه الدار في صغره وحازها فإنه إذا رجع وادعى أنه لم يكن عالماً بذلك فإنه تسمع دعواه وعذره ولا يكون إقراره السابق مكذباً لبينته. اهـ.
قلت: ونزلت فأفتيت فيها بما للقرافي ويؤيده ما في البرزلي عن المازري فيمن اقتسم تركة موروثه مع الورثة، ثُمَّ وجد بينة تشهد له ببعضها أنه يحلف ما علم ببينة إلى الآن ويستحق ونحوه في نوازل الزياتي فيمن سلم في شيء ظناً منه أنه لا يستحقه ثُمَّ تبين أنه يستحقه فإن التسليم لا يلزمه وأمثال هذا ما اتضح فيه العذر كثيرة انظر شرحنا للشامل في الرهن والإقرار والشهادات، ثُمَّ ظاهر النظم وما تقدم أن الانتقال يبطل الدعوى حيث لم يتضح العذر سواء حصرها وأشهد أنه لا دعوى له غيرها أم لا، وهو كذلك. وفي التبصرة وآخر الفصل السادس في سيرته مع الخصوم أن محل ذلك فيما إذا شهد أنه لا دعوى له سواها ونحوه في أقضية البرزلي عن ابن حارث قائلاً: ليس من ادعى دعوى يحجر عليه فيما سواها إن ادعى نسياناً إلا أن يكون في الكشف أي التقييد إقرار المدعي أن الذي كشف عنه هو آخر دعواه. اهـ.
(بخ) ونحوه في أقضية المعيار عن فقهاء قرطبة فيمن وقف خصمه عند قاض على ذهب زعم أنه أنفقه بأمره على أهل داره ودوابه في مدة عينها على وجه السلف، فأنكره المطلوب ثُمَّ قال بعد أن أنكر مرة ثانية: إنما أنفق على الدواب من ربح أحد وثلاثين مثقالاً كانت عنده قراضاً، فلم يبطلوا دعواه.
فانظر ذلك إن شئت وانظر ما يأتي عند قوله: وحل عقد شهر التأجيل إلخ..
وَحَيْثُما الأَمْرُ خَفِيفٌ بَيِّنُ ** فالتَّرْكُ لِلتَّقَيِيدِ مِمَّا يحْسُنُ

(وحيثما) ظرف مضمن معنى الشرط (الأمر) مبتدأ أي أمر الدعوى خبره (خفيف) سهل كلي عليه عشرة من سلف (بين) عطف بيان أو بدل أو خبر بعد خبر والأول أقرب (فالترك) مبتدأ (للتقييد) متعلق به (مما يحسن) خبره والجملة جواب الشرط والرابط الفاء ثُمَّ علل حسن ترك التقييد بقوله:
فَرُبَّ قَوْلٍ كان بالخِطابِ ** أَقْرَبَ لِلْفَهْمِ مِنْ الكِتابِ

(فرب قول) والفاء تعليلية، ورب: حرف جر لا تتعلق بشيء قال ناظم المغني:
وقولنا لابد من تعلق ** يخرج منه ستة فحقق

أحدها الزائد من خالق ** والثاني لولا في مقال صادق

وهكذا لعل فيمن جرّبه ** وكاف تشبيه ورب فانتبه

(كان) ناقصة واسمها ضمير القول (بالخطاب) يتعلق به (أقرب) خبر كان (للفهم من الكتاب) يتعلقان بأقرب وجملة كان صفة لقول. وفهم من قوله مما يحسن أنه يجوز التقييد وأن ما كان بين الخفة والتشعب يجوز فيه الأمران أيضاً لكن التقييد فيه أولى لأنه أقطع للنزاع.